تمثل الولايات الواحية الأربع بالجنوب التونسي (قفصة، توزر، قبلي وقابس) ربع مساحة البلاد التونسية، يقطنها قرابة 900 ألف ساكن، و تعتبر الواحات نظما زراعية موروثة منذ قرون، لها قدرة فائقة على التنظّم والتكيّف والمرونة مع مرور الزمن. وتشهد هذه المنظومة اليوم تهديدا خطيرا يمكن أن يقضي على استدامة العيش لسكانها نظرا للعديد من العوامل الطبيعية والبشرية، من أهمها:
موارد طبيعية تتعرض لاستغلال فاحش:
منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ومع وضع المثال المديري لمياه الجنوب، عرفت مناطق الواحات انشاء الابار العميقة واحداث واحات جديدة تنتج دقلة النور خاصة في ولايتي توزر وقبلي، فقد وجدت النظم البيئية الواحية بشكل عام والواحات التقليدية على وجه الخصوص نفسها تشكو هشاشة وتدهورا لا متناهيين، من مظاهرها:
- جفاف جميع العيون الطبيعية (رأس العين بتوزر ورأس العيون بنفطة وقبلي وجمنة وشنني قابس، المسبح الروماني بقفصة ومكائل مدينة القطار، وفقارات بسوق الاحد).
- رغم الامكانيات المائية الهامة في الولايات الأربع، ( 747.6 م م³/السنة، أي ما يعادل 34% من مجموع الموارد المائية الجوفية بالبلاد التونسية)، فقد بلغ مجموع الاستغلال الى 99% من جملة الموارد، في حين أن معدل الاستغلال لهذه الموائد فاق 160% في جهة نفزاوة وحدها نتيجة الحفر العشوائي وهو ما أدى الى انخفاض الكميات المستخرجة بالحفر الارتوازي وانخفاض تدفق الآبار.
- تملّح موائد المجمع النهائي والقاري الوسيط وانخفاض مستمر لمستوى المياه الجوفية وهو ما يهدد باستدامة الواحات مع آثار بيئية لا رجعة فيها وخاصة تسرب المياه المالحة من الشطوط (ارتفاع الشط يبلغ 12 متر)
- رغم العجز في الموازنة المائية فإن مسألة التصرف في الطلب لم يقع ادراجها ضمن الأولويات بالنسبة للأطراف المعنية، وهو ما فاقم الآثار السلبية على صغار الفلاحين نتيجة الاستثمارات المرتفعة التي يتطلبها استغلال وحوكمة تلك الموارد.
- ترتكز الواحات حول سلسلة جبال الطباقة، وشط الجريد وعلى سواحل خليج قابس، وهو ما جعلها تمتد على تربة شديدة الملوحة مرتبطة بالمنخفظات الغير خصبة والقاحلة، وهو ما ساهم في تدهور التربة نظرا لتأثيرات الانجراد والتملح وسوء صرف المياه ( يجلب الري بمياه ذات ملوحة 3.5 غ/ل سنويا كمية لا تقل عن 60 طنا في الهكتار من الأملاح).
- أدّى السباق المتسارع على الموارد الطبيعية (أراضي زراعية، مياه غير ومتجددة) من اجل اكتساب القدرة التنافسية عالميا واعتماد الصنف الواحد في الانتاج الى تآكل لا فقط التنوع البيولوجي الموروث بل أيضا اختفاء عمل الفلاح التقليدي وبذلك ضياع آلاف مواطن العمل وعدم الانصاف في اقتسام الثروة.
- ان التخلي عن الأراضي الزراعية وتلوثها يؤدي الى تدهور الأراضي الصالحة للزراعة وفتح الطريق أمام التصحر. لم تعد عملية عزل الكربون بالتربة مضمونة وأصبحت هشاشة الأراضي للتغيرات المناخية واضحة وجلية.
مبادرات تنموية تنقصها الجدوى
رغم عديد المبادرات الوطنية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالواحات، آخرها مشروع التصرف المستدام في المنظومات الواحية سنة 2015، والذي أشرفت على تنفيذه وزارة البيئة والتنمية المستدامة بتمويل من الصندوق العالمي للبيئة، والذي لم يتدخل الا في 6 واحات (بمعدل واحة بكل ولاية)، وبقيت نتائجه دون المأمول. كما ركزت بقية برامج الدولة على الدور الاقتصادي للواحات وخاصة على منتوج التمور فعملت على اقتراح استراتيجية وطنية لقطاع التمور وأخرى للتمور البيولوجية، واحداث مركز فني للتمور، ومجمع مهني مشترك للتمور!!!. في تغييب تام لبقية عناصر المنظومة الواحية. وهو ما حاولت جمعيات المجتمع المدني العاملة بالواحات تداركه، على غرار جمعية حماية مدينة قفصة التي عملت على اعتراف عالمي يهدف الى حماية خصائص واحة قفصة الايكولوجية والزراعية العالمية واعتبارها نظاما مبتكرا للتراث الزراعي العالمي(SIPAM). كما تعمل أغلب المؤسسات الدولية مثل التعاون التونسي الألماني (GIZ)، البنك العالمي، مرفق البيئة العالمية (FEM) منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (FAO) على مساندة هذا التمشي.
وأمام عدم تمكن هاته المبادرات ضمان حماية وتنمية مستدامة للواحات على المدى البعيد لان تونس تفتقر لقوانين ومؤسسات مختصة في الواحات، نتيجة وجود العديد من العقبات مثل عدم التنسيق بين مختلف المتدخلين من الإدارة والمانحين الدوليين ومنظمات المجتمع المدني وكذلك الموارد المحدودة وعدم تحديد الأولويات السياسية.
من أجل إطار قانوني خاص بالواحات يهدف الى تحقيق أهداف التنمية المستدامة
وفقا للاتفاقيات الدولية المختلفة التي صادقت عليها الحكومة التونسية في سنة 1995 مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف والتصحر واتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي والتغيير المناخي في سنة 1993، بالإضافة إلى التزام الجمهورية التونسية خلال منتدى السياسات الرفيعة المستوى لتحقيق التنمية المستدامة الأخير في مقر الأمم المتحدة في شهر جويلية 2019 التزمت الجمهورية التونسية ب:
- التخفيض في نسبة كثافة الكربون بتونس ب 41 % من هنا حتى حلول سنة 2030 وذلك مقارنة بسنة 2015.
- تحسين قدرة السكان والقطاعات على التكيف مع المناخ لتحقيق النقطة عدد 13 من أهداف التنمية المستدامة.
- تعزيز القدرة على المحافظة على النظم الايكولوجية والموارد الطبيعية وحفظ التنوع البيولوجي، والتخفيف من آثار تغير المناخ لتحقيق الهدف عدد 15 من أهداف التنمية المستدامة.
إن الواحات مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى للحفاظ على دورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، والمساهمة في ديمومة في التوازنات المناخية. فالواحات هي الواجهة النباتية الطبيعية الأولى والحاجز المناخي الطبيعي الأول ضد اكتساح الصحراء، اضافة الى دور الذي تلعبه في عزل الكربون في التربة إضافة الى قدرة التقنيات البيئية الإيكولوجية والمعارف الواحية على التأقلم والتكيف ضد الأخطار المناخية والظروف القاسية.
ان الهدف العام الذي تدافع عنه اليوم RADDO TUNISIE شبكة جمعيات التنمية المستدامة للواحات بتونس يتمثل في:
ضمان التنمية المستدامة للواحات وذلك بمراعاة الحفاظ على الموارد الطبيعية ودراية الفلاحين وتراثنا الواحي مع ضمان تحسين مستويات المعيشة للسكان المحليين، وذلك بسن قوانين تعترف بها وتحميها وتنميها. إطار قانوني يعترف بالأهمية القصوى لهذه النظم الايكولوجية وبالدور التي تلعبه في تثبيت السكان في ضمان استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي وذلك من خلال النشاطات التي تنشئها الواحات باستمرار لفائدة السكان المحليين في الفلاحة وتربية الماشية والمحافظة على المحيط عن طريق إعادة استعمال النفايات والفواضل والمنتوجات الثانوية للواحات..
يمكن لهذا إطار القانوني أن يرتكز أساسا على “الميثاق الوطني للمحافظة الديناميكية وتنمية الواحات التقليدية بتونس، (www.asmgafsa.org.tn) و(www.fao.org.giahs.fr). هذه المصادر يمكن أن تكون الأساس التوافقي لتحديد الخطوط العريضة للالتزام بهذا التراث الطبيعي المشترك وذلك لفائدة السكان الحاليين والمستقبليين لتحسين مستوى معيشتهم. الميثاق المقترح قادر على تعزيز المجال القانوني للمحافظة على الواحات، كما يدعم الجهود الدولية لتنفيذ إجراءات حماية الواحات كتراث عالمي.
لمزيد الاطلاع يمكنكم الاتصال بـ
- قابس – جمعية حماية واحة شنني قابس
- قبلي – جمعية نخلة
- توزر – جمعية ارادة
- قفصة – جمعية صيانة مدينة قفصة